فصل: أمر بني العباس.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أمر بني العباس.

بنو هاشم حين اضطرب أمر مروان بن محمد اجتمعوا إليه وتشاوروا فيمن يعقدون له الخلافة فاتفقوا على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن علي وكان يقال: إن المنصور ممن بايعه تلك الليلة ولما حج أيام أخيه السفاح سنة ست وثلاثين تغيب عنه محمد وأخوه إبراهيم ولم يحضرا عنده مع بني هاشم وسأل عنهما فقال له زياد ابن عبيد الله الحرثى أنا آتيك بهما وكان بمكة فرده المنصور إلى المدينة ثم استخلف المنصور وطفق يسأل عن محمد ويختص بني هاشم بالسؤال سرا فكلهم يقول: إنك ظهرت على طلبه لهذا الأمر فخافك على نفسه ويحسن العذر عنه إلا الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي فإنه قال له: والله ما آمن وثوبه عليك فإنه لا ينام عنك فكان موسى بن عبد الله بن حسن يقول بعد هذا: اللهم أطلب الحسن بن زيد بدمائنا ثم إن المنصور حج سنة وألح على عبد الله بن حسن في أحضار ابنه محمد فاستشار عبد الله بن علي في إحضاره فقال له: لو كان عافيا عفى عن عمه! فاستمر عبد الله على الكتمان وبث المنصور العيون بين الأعراب في طلبه بسائر بوادي الحجاز ومياهها ثم كتب كتابا على لسان الشيعة إلى محمد بالطاعة والمسارعة وبعثه مع بعض عيونه إلى عبد الله وبعث معه بالمال والإلطاف كأنه من عندهم وكان للمنصور كاتب على سريره يتشيع فكتب إلى عبد الله بن حسن بالخبر وكان محمد بجهينة وألح عليه صاحب الكتاب أمر محمد ليدفع إليه كتاب الشيعة فقال له: إذهب إلى علي بن الحسن المدعو بالأغر يوصلك إليه في جبل جهينة فذهب وأوصله إليه ثم جاءهم حقيقة خبره من كاتب المنصور وبعثوا أبا هبار إلى محمد وعلي بن حسن يحذرهما الرجل فجاء أبو هبار إلى علي بن حسن وأخبره ثم سار إلى محمد فوجد العين عنده جالسا مع أصحابه فخلا به وأخبره فقال: وما الرأي؟ قال: تقتله قال: لا أقارف دم مسلم قال: تقيده وتحمله معك قال: لا آمن عليه لكثرة الخوف والاعجال قال: فتودعه عند بعض أهلك من جهينة قال: هذه إذن ورجع فلم يجد الرجل ولحق بالمدينة ثم قدم على المنصور وأخبره الخبر وسمى اسم أبي هبار وكنيته وقال: معه وبر فطلب أبو جعفر وبرا المري فسأله عن أمر محمد فأنكره وحلف فضربه وحبسه ثم دعا عقبة بن سالم الأزدي وبعثه منكرا بكتاب والطاف من بعض الشيعة بخراسان إلى عبد الله بن حسن ليظهر على أمره فجاءه بالكتاب فانتهره وقال لا أعرف هؤلاء القوم فلم يزل يتردد إليه حتى قبله وأنس به وسأله عقبة الجواب فقال: لا أكتب لأحد ولكن أقرئهم مني سلاما وأعلمهم أن ابني خارجان لوقت كذا فرجع عقبة إلى المنصور فأنشأ الحج فلما لقيه بنو حسن رفع مجالسهم وعبد الله إلى جنبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ثم قال لعبد الله بن حسن قد أعطيتني العهود والمواثيق أن لا تبغيني بسوء ولا تكيد لي سلطانا فقال: وأنا على ذلك فلحظ المنصور عقبة بن سالم فوقف بين عبد الله حتى ملأ عينه منه فبادر المنصور يسأله الإقالة فلم يفعل وأمر بحبسه وكان محمد يتردد في النواحي وجاء إلى البصرة فنزل في بني راهب وقيل في بني مرة بن عبيد بلغ الخبر إلى المنصور فجاء إلى البصرة وقد خرج عنها محمد قلقي المنصور عمر بن عبيد فقال له: يا أبا عثمان هل بالبصرة أحد تخافه على أمرنا؟ فقال: لا فانصرف واشتد الخوف على محمد وإبراهيم وسار إلى عدن ثم إلى السند ثم إلى الكوفة ثم إلى المدينة وكان الممنصور حج سنة أربعين وحج محمد وإبراهيم وعزما على اغتيال المنصور وأبي محمد من ذلك ثم طلب المنصور عبد الله بإحضار ولديه وعنفه وهم به فضمنه زياد عامل المدينة وانصرف المنصور وقدم محمد المدينة قدمة فتلطف له زياد وأعطاه الأمان له ثم قال له: إلحق بأي بلاد شئت وسمع المنصور فبعث أبا الأزهر إلى المدينة في جمادى سنة إحدى وأربعين ليستعمل على المدينة عبد العزيز بن المطلب ويقبض زيادا وأصحابه فسار بهم فحبسهم المنصور وخلف زياد ببيت المال ثمانين ألف دينار ثم استعمل على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري وأمره بطلب محمد وانفاق المال في ذلك فكثرت نفقته واستبطأه المنصور واستشار في عزله فأشار عليه يزيد بن أسيد السلمي من أصحابه باستعمال رباح بن عثمان بن حسان المزني فبعثه أميرا على المدينة في رمضان سنة أربع وأربعين وأطلق يده في محمد بن خالد القسري فقدم المدينة وتهدد عبد الله بن حسن في إحضار ابنيه وقال له عبد الله يومئذ: إنك لتريق المذبوح فيها كما تذبح الشاة فاستشعر ذلك ووجد فقال له حاجبه أبو البختري: إن هذا ما اطلع على الغيب فقال: ويلك! والله ما قال إلا ما سمع فكان كذلك ثم حبس رباح محمد بن خالد وضربه وجد في طلب محمد فأخبر أنه في شعبان رضوى من أعمال ينبع وهو جبل جهينة فبعث عامله في طلبه فأفلت منه ثم إن رباح بن مرة حبس بني حسن وقيدهم وهم عبد الله بن حسن بن الحسن وإخوته حسن وإبراهيم وجعفر وابنه موسى بن عبد الله وبنو أخيه داود وإسمعيل وإسحق بنو إبراهيم بن الحسن ولم يحضر معهم أخوه علي العائد ثم حضر من الغد عند رباح وقال: جئتك لتحبسني مع قومي فحبسه وكتب إليه المنصور أن يحبس معهم محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان المعروف بالديباجة وكان أخا عبد الله لأمه أمهما فاطمة بنت الحسين وكان عامل مصر قد عثر على علي بن محمد بن عبد الله ابن حسن بعثه أبوه إلى مصر يدعو له فأخذه وبعث به إلى المنصور فلم يزل في حبسه وسمى من أصحاب أبيه عبد الرحمن بن أبي المولى وأبا جبير فضربهما المنصور وحبسهما وقيل عبد الله حبس أولا وحده وطال حبسه فأشار عليه أصحابه بحبس الباقين فحبسهم ثم حج المنصور سنة أربع وأربعين فلما قدم مكة بعث إليهم وهم في السجن محمد بن عمران بن إبراهيم بن طلحة ومالك بن أنس يسألهم أن يرفعوا إليه محمدا وإبراهيم ابني عبد الله فطلب عبد الله الإذن في لقائه فقال المنصور: لا والله حتى يأتيني به وبابنيه وكان محسنا مقبولا لا يكلم أحدا إلا أجابه إلى رأيه ثم إن المنصور قضى حجه وخرج إلى الربذة وجاء رباح ليودعه فأمر بأشخاص بني حسن ومن معهم إلى العراق فأخرجهم في القيود والأغلال وأردفهم في محامل بغير وطء وجعفر الصادق يعاينهم من وراء ستر ويبكي وجاء محمد إبراهيم مع أبيهما عبد الله يسايرانه مستترين بزي الأعراب ويستأذنانه في الخروج فيقول: لا تعجلا حتى يمكنكما وإن منعتما أن تعيشا كريمين تمنعا أن تموتا كريمين وانتهوا إلى الزيدية وأحضر العثماني الديقا عند المنصور فضربه مائة وخمسين سوطا بعد ملاحاة جرت بينهما أغضبت المنصور ويقال: إن رباحا أغرى المنصور به وقال له: إن أهل الشام شيعته ولا يتخلف عنه منهم أحد ثم كتب أبو عون عامل خراسان إلى المنصور بأن أهل خراسان منتظرون أمر محمد بن عبد الله واحذر منهم فأمر المنصور بقتل العثماني وبعث برأسه إلى خراسان وبعث من يحلف أنه رأس محمد بن عبد الله وأن أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم المنصور بهم الكوفة وحبسهم بقصر ابن هبيرة يقال: إنه قتل محمد بن إبراهيم بن حسن منهم على إسطرانة وهو حي فمات ثم بعده عبد الله بن حسن ثم علي بن حسن ويقال: إن المنصور أمر بهم فقتلوا ولم ينج منهم إلا سليمان وعبد الله ابنا داود وإسحق وإسمعيل ابنا إبراهيم بن حسن وجعفر بن حسن والله أعلم.